د. نصر محمد عارف يكتب : أيها الوحوش.. دماء الأقباط طاهرة مقدسة

. . ليست هناك تعليقات:




مع كل مذبحة لإخواننا وأخواتنا، وهم يؤدون صلواتهم فى كنائسهم، تتكرر نفس العبارات على ألسنة المسئولين، وعلماء الدين، والصحفيين والإعلاميين، عبارات باردة لم ترفع من صقيعها حرارة الدماء التى تأبى أن تجف، أو يشربها التراب، وللأسف لا يجرؤ من بيدهم الشأن الدينى أو السياسى أن يضعوا حداً قاطعاً لهذا العبث الوحشي، ولا يفكر أحد أن يضع نفسه مكان أخيه القبطي، وهو يذهب إلى الكنيسة، أو يشعر بقلب أم من أخواتى القبطيات وهى ترسل فلذة كبدها إلى الكنيسة، لو شعر القائمون على الشأن الدينى والسياسى بهذا الشعور، لكان لهم تصرف آخر، مختلفٌ تماماً عن هذه المجاملات الجافة المحنَّطة.

هذه المأساة الوحشية مستمرة منذ أكثر من قرن من الزمان فى عالمنا العربى والإسلامي، منذ أن اختلطت المفاهيم، وارتبكت التصورات، وانقطعت الصلة بالدين الحقيقي، وتمت صياغة دين وظيفي، تستخدمه الجماعات والنظم لتحقيق أهدافها السياسية، أو القومية، منذ ذلك الحين بدأ استحلال الدماء بصورة عبثية من قبل جهلاء متعالمين، وبلطجية مستشيخين، وعصابات إجرامية تطلق على نفسها أسماء جماعات إسلامية.

فى عام 1909 كتب الأستاذ مصطفى لطفى المنفلوطى مقالاً بعنوان «لا همجية فى الإسلام» لأنه أشيع فى ذلك الوقت أن المسلمين فى ولاية أضنة التركية هجموا على المسيحيين وقتلوا الكثير ومثلوا بجثثهم، جاء فى مقال المنفلوطى «أيها المسلمون، إن كنتم تعتقدون أنّ الله سبحانه وتعالى لم يخلق المسيحيين إلا ليموتوا ذبحاً بالسيوف، وقصفاً بالرماح، وحرقاً بالنيران، فقد أسأتم بربكم ظناً، وأنكرتم عليه حكمته فى أفعاله، وتدبيره فى شئونه وأعماله، وأنزلتموه منزلة العابث اللاعب الذى يبنى البناء ليهدمه، ويزرع الزرع ليحرقه، ويخيط الثوب ليمزّقه، ويَنْظُم العقد ليبدّده.. فى أى كتاب من كتب الله وفى أى سنة من سنن أنبيائه ورسله قرأتم جواز أن يعمد الرجل إلى الرجل الآمن فى سربه، القابع فى كسر بيته، فينزع نفسه من بين جنبيه، ويفجع فيه أهله وقومه، لأنه لا يدين بدينه ولا يتقلّد مذهبه؟ لو جاز لكل إنسان أن يقتل كل من يخالفه فى رأيه ومذهبه لأقفرت البلاد من ساكنيها، وأصبح ظهر الأرض أعرى من سراة أديم.. إنّ وجود الاختلاف بين الناس فى المذاهب والأديان والطبائع والغرائز سنة من سنن الكون التى لا يمكن تحويلها ولا تبديلها، حتى لو لم يبق على ظهر الأرض إلا رجل واحد لجرّد من نفسه رجلاً آخر يخاصمه وينازعه، وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً».

ويكمل المنفلوطى «أيها المسلمون، ما جاء الإسلام إلا ليقضى على مثل هذه الهمجية والوحشية التى تزعمون أنها الإسلام .. ما جاء الإسلام إلا ليستلّ من القلوب أضغانها وأحقادها ثم يملؤها بعد ذلك حكمةً ورحمةً ليعيش الناس فى سعادةٍ وهناء.. من أى صخرة من الصخور أو هضبة من هضبات الجبال نحتم هذه القلوب التى تنطوى عليها جوانحكم، والتى لا تروعها أنّات الثكالى، ولا تحركها رنّات الأيامى؟ أيها المسلمون: اقتلوا المسيحيين ما شئتم وشاءت لكم شراستكم ووحشيتكم، ولكن حذار أن تذكروا اسم الله على هذه الذبائح البشرية، فالله سبحانه وتعالى أجلّ من أن يأمر بقتل الأبرياء، أو يرضى باستضعاف الضعفاء، فهو أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين».. بانتهاء كلام المنفلوطى ينتهى الكلام، ويفقد معناه، وقد فقد معناه منذ قرن من الزمان، ولم يبق أمامنا كشعب مصري، وكأمة عربية وإسلامية إلا الأفعال، ومن هذه الأفعال الأتي:

أولا: أن يصدر مجلس النواب فوراً قانون «مكافحة التمييز والكراهية» أسوة بما قامت به دولة الإمارات العربية المتحدة، ليضع حداً للمناخ العبثى الذى خلقته الجماعات السلفية فى مصر، حيث كان جل اهتمامها الطعن فى دين الأقباط، والتحريض عليهم فى خطب الجمعة، وبرامج التليفزيون، ودفع الشباب لاستهدافهم، وتصوير وجودهم على أنه مؤقت، فإما أن يتحولوا للإسلام، وإما أن يتم القضاء عليهم وتهجيرهم، ولا يعلم هؤلاء الذين لم يحصِّلوا علماً من مصادره، أن الأقباط أكثر تمسكا بدينهم رغم كل تقلبات الزمان، فقد انقضى القرن الأول بعد دخول الإسلام مصر ولم يبلغ المسلمون أكثر من 15بالمائة، وانقضى الثانى فوصلوا 25 بالمئة، ومع الثالث وصلوا 40بالمائة، ولم يتجاوزوا نسبة 50بالمائة إلا بعد هجرة قبائل بنى هلال وبنى سليم إلى صعيد مصر، الأقباط أصل مصر وهم باقون فيها مادامت هناك مصر.

ثانيا: تجريم خطاب التحريض الطائفى فى مصر، سواء صدر من مسلمين متعصبين، أو من أقباط يريدون توظيف قضية المظلومية لتحقيق مكاسب سياسية معينة، ومنع هذا الخطاب لابد أن يتم بصورة قانونية صارمة، بحيث يتم التعامل مع المواطن القبطى على أساس أنه مواطن، وليس عضواً فى طائفة له، ولى أمر من هذه الطائفة يتكلم باسمه.

ثالثا: منع وسائل الإعلام من ذكر ديانة المعتدي، أو المعتدى عليه فى أى حادثة فردية أو جماعية، حتى لا يتم تنمية وتغذية المناخ الطائفى لدى المواطنين المصريين من كلا الجانبين.

رابعا: منع رجال الدين من المسلمين والأقباط من التدخل فى الشأن السياسي، وإلغاء ما يسمى ببيت العائلة، لأنه يعمق الثقافة الطائفية، ويفصل أبناء الوطن إلى جماعتين يستطيع المرء تمييزهما من زى رجال الدين الحاضرين، فوجود ابيت العائلةب يعنى غياب الوطن وحكم القانون.

خامسا: سرعة البت فى جميع القضايا التى تتعلق بالتمييز والدينى والكراهية وتوقيع أقصى العقوبات على مرتكبيها، والمحرضين عليها أيا كان موقعهم أو مناصبهم، وأيا كانت الجماعات التى تقف خلفهم، لإيجاد حالة من الردع التى توقف هذه العبثية التى تجاوزت كل حدود المعقول.

سادسا: وضع إستراتيجية ثقافية شاملة لمعالجة ما أصاب المجتمع من خلل وتفكك وانقسام، وعلينا أن نتعلم من تجربة الهند، وسياستها فى توظيف السينما التى تنتجها «بوليوود» فى إيجاد حالة من التماسك الاجتماعى بين المسلمين والهندوس والمسيحيين وبقية المذاهب. لو بدأنا بهذه الخطوات الآن من الممكن أن يعيش أولادنا وأحفادنا فى مجتمع آمن.. فالدين لله والوطن للجميع.

منقول من الاهرام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

https://st-julius.blogspot.com.eg/. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمون

انشر معنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

إجمالي عدد زوار الموقع هذا الشهر

بحث هذه المدونة الإلكترونية

اضغط هنا للاستعلام الان

blogger

Translate

blogger

الاكثر مشاهدة

https://st-julius.blogspot.com.eg/

hi

مقالات

اضغط هنا للاستعلام الان

المشاركات الشائعة